إذا
وقفنا على تاريخ هذه المنطقة فإننا نقف بعيدا ونتوجه إلى البدايات حيث نجد أن
الإنسان إستوطن هذه المنطقة منذ العصور الأولى.. بدءا من العصر الروماني إن لم
نذكر العصور التاريخية الأولى كالعصر الحجري القديم والجديد والعصر النوميدي، حيث
تواجد الإنسان بها تواجدا محتشما وإن لم يخلف بعض المآثر التاريخية، لكننا وفي
العهد الروماني نجد أنفسنا أمام بدايات التمدن الإنساني حيث عرفت المنطقة أزهى
فتراتها وشهدت ميلاد مدن وعروش بقيت آثارها ماثلة للعيان تتحدى الأزمان ما زالت.
- صحائفها منقوشة بلسانها ** على من يرى معروضة كالرسائل
- تدل على عيش بها طال حقب ** ولكنه ولى كأحلام قائـــــل
لقد
استوطن الرومان هذه المنطقة وأقاموا بها درعا لإمبراطوريتهم سنة 198 بعد الميلاد
ولقد كان من أهم الوسائل التي اعتمدتها السياسة الرومانية من أجل إحكام السيطرة
على الأراضي الجزائرية بناء بعض التحصينات الليمس الروماني Limesالتي امتدت من شط الحضنة شمالا إلى وادي
جدي جنوبا. وفي سنة 126م امتدت هذه الحصون Limes جنوب وادي جدي، وبذلك شملت منطقة الجلفة وكان الغرض منها صد أي
هجمات متوقعة أو تحركات مريبة.
كما
اعتمد الرومانيون على إنشاء قلاع، مثل قلعة ديميدي Castellum
Dimmidi الواقعة
قرب مدينة مسعد الآن وقد بنيت في عهدالامبراطورالروماني سيبتيموس سيفيروس Septimius
Severus وكان
ذلك سنة 198 م في رأي جلبير شارل بيكار، بينما يرى الباحث التاريخي شارل اندري
جوليان أنها بنيت عام201 للميلاد واستمر عمل هذه القلعة إلى غاية سنة 240 للميلاد.
ولم تكن الوحيدة في هذه المناطق، بل بنيت قلاع أخرى في الجنوب، في “القاهرة” وعين
الريش والدوسن وبورادة، وكلها تقع في امتداد استراتيجي يتحكم في الإقليم الممند
جنوب حوض الحضنة.
ولا
شك في أن المكان المسمى دمد في منطقة مسعد أخذ تسميته من هذه القلعة التي تمثل
موقعا مهما من الناحية التاريخية الأثرية، إذ كان يحوي بعض الاثار والأدوات
البرونزية والخزفية، وكذا رسوما جدارية.. وجلها تم استخراجه في نهاية ثلاثينيات
القرن العشرين، ووضع للعرض في متحف الآثار القديمة بالجزائر. وهكذا فقد كانت مهمة
هذه الحصون والقلاع التي وضعها الرومان هي احكام السيطرة وتوفير المن لنفسهم في
الشمال الجزائري الذي عرف التركيز الاستيطاني آنذاك، إذ سمحت هذه الاجراءات
بمراقبة تحركات البدو الذين كانوا يتنقلون في حدود هذه المناطق.
ولا
زالت بعض آثار قلعة ديميدي التي بنيت على وادي يعد أحد روافد وادي جدي المنطلق من
المنحدرات الجنوبية لجبال أولاد نايل، لا زالت موجودة بمدينة مسعد في المكان
المسمى دمد، ولا زالت بعض القطع الأثرية المنقوشة من بنيانها معروضة بالمتحف
السياحي لمدينة الجلفة.
اثار
هذه القلعة الرومانية العتيدة للقائد الروماني ديميدي موجودة فعلا في حي (دمــد)
العتيق وما زالت تحافظ على اسمها المشتق من اسمه وما زالت آثارها واضحة ولقد وجد
بها بعض الأواني الفخارية التي تدل على أنها تحتوي على مخزون ثري من الآثار التي
تعكس تاريخ المنطقة وكما توجد بها دشرة البارود التي استخرج منها المنقوشة
بالرومانية (موجودة بالمتحف التاريخي بالجلفـة) بالإضافة إلى القرية الموجودة
بمدينة عمورة، هذه المدينة الجبلية التي يوجد بها بعض الآثار (آثار أرجل لطائر
ضخـم) يقال أنها ما قبل الطوفان. كما نجد بعين الناقة بعض الرسوم لحيوانات
الطاسيلي بالإضافة إلى لوحة ((العاشقان الخجولان)) (مصنفة عالميا) وحجرة سيدي
بوبكر (بالقرب من عامرة أولاد مجبر)وخنق هيلال، والمويلحة وغيرها من مئات النقوش
الصخرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ.
ونجد
بزكار القرية البربرية التي ما زالت آثارها ماثلة للعيان إلى الآن كما نجد بهذه
المنطقة قبور بني سفاو.. فكل هذه الآثار لا بد أن تخلق نوعا من السياحة
الاستكشافية. من جديد الابحاث التاريخية التنقيبية بمسعد سنة 2001 العثور على رفات بشرية وأواني فخارية
جنائزية وقطع معدنية أثناء تهيئة مكان بجانب حي 120سكن طريق بوسعادة قصد بناء
سكنات اجتماعية جديدة بعد دراسة هذه البقايا العظمية والفخارية كذلك طريقة الدفن
استخلصتا مايلي :يعد هذا الاكتشاف قبر جماعي يعود إلي فترة فجر التاريخ
محتويا أربعة جثث دفنت في وضعية الجنين أي يوضع الميت في وضعية أفقية منطويا
كالجنين في بطن أمه، هذه الوضعية لا تحتاج متسعا من المكان هذا ما عثر عليه في
القبر الذي نحن في صدد دراسته دفن الجثث الأربعة وانحلالها ونتيجة ثقل مواد غطاء
القبر انهار الهيكل العظمي وتراكمت البقايا العظمية في مساحة صغيرة نتيجة للوضعية التي
دفنت بها وهذه الطريقة معروفة في فجر التاريخ. أما بالنسبة للبقايا الفخارية فهي
عبارة عن أواني فخارية جنائزية تدفن مع الميت لها وظيفة طقسية التي كانت تمارس في
تلك الفترة وتنسب هذه الأواني إلي الفخار البراري المحلي وقد استعملت هذه القطع
الفخارية في الحياة اليومية نتيجة اللون الأسود الذي يطغى عليها اثر استعملها في
النار يكتسي هذا الاكتشاف أهمية بالغة هذا من حيث دراسة المعالم والطقوس الجنائزية
للمنطقة.
- مسعد خلال عهد الاستعمار الفرنسي:
قدمت
قوات الاستعمار الفرنسي في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر عرفت مسعد
بمقاومة الشيخ موس بن الحسن الدرقاوي الملقب بابي حمار للفرنسيين وقد كان من
المعارضين للامير عبد القادر حيث حدثت معركة بين الرجلين بالقرب من منطقة
"عوامري" 1835 استطاع الفرار فيها لمدينة مسعد حيث بدأ تنظيم صفوفه من
جديد وتمت مطاردته هناك من قبل الجنرال الفرنسي "ماري مونج" ليلجأ
بعدهالقبيلة بني لالة بالقبائل، حيث مكث هناك 03 سنوات، ثم توجه هارباً جنوباً نحو
متليلي الشعانبة سنة 1847، وقد قام الشيخ بوزيان (أحد أعوان الأمير عبد القادر)زعيم
واحة الزعاطشة الاتصال بشيوخ الطرق والزوايا والعروش لتحضير ثورة الزعاطشة بنواحي
بسكرة، من بينها الاتصال بالشيخ موسى بن الحسن المصري الدرقاوي، الذي رحب بالجهاد،
فعرج على مدينة مسعد واصطحب معه حوالي 80 مقاتل من أولاد نائل وقاوم الشيخ
الدرقاوي ببسالة الحصار المفروض عليهم بالواحات رفقة مجاهدي أولاد نائل وبوسعادة
والمسيلة ممن التحقوا بإخـوانهم في الزعاطشة، وأعطـيت الأوامر بـإبـادة سكان الـواحـة
بما فيهم الأطفال ،النساء والشيوخ وقـطع أشجار النـخـيـل، وحرق المنازل، وبتاريخ
26 نوفمبر 1849 نسفت دار الشيخ بوزيان فسقط شهيدا، وأمر السفاح
"هيربيون" بقطع رأس زعيم الثورة الشيخ بوزيان ورأسي ابنه والشيخ الحاج
موسى الدرقاوي وتعليقهم على أحد أبواب بسكرة.
يذكر
الباحث العسكري الفرنسي آرنو أن أولاد نايل انضووا تحت لواء الأمير بداية من سنة
1836 السنة التي زار فيها الأمير منطقة مسعد ومناطق أولاد نايل الذين تحالفوا معه
وأعطى الأمير عبدالقادرالشريف بن الاحرش لقب خليفة أولاد نايل بعد مقتل الحاج عيسى
خليفته بالاغواط. شهدت منطقة مسعد بذلك مقاومات عدة قادها شيوخ القبائل من
ابرزها : مشاركتهم مع الأمير عبد القادر في معركة عين الكحلة في 31 مارس 1845
بجبل بوكحيل ضد قوات الجنرال السفاح يوسف ولا ننسى ما قام به أولاد أم الاخوة
بهجوم على فيلق فرنسي تابع لمدينة الجلفة في منطقة عين الناقة جنوب المدينة في
تاريخ 10 أكتوبر 1854.و كذلك أولاد سعد بن سالم في سبتمبر 1851 وكذا أولاد طعبة في
سبتمبر 1853 ضد حامية فرنسية بقيادة العسكري الفرنسي تيودور بان Théodore Pein في جبل الدخان بمنطقة كربطيط ودامت
انتفاضتهم عدة اسابيع سقط الكثير من الشهداء من ابرزهم سي علي بن عطية والربيعي بن
عطية وقيل أكثر من ثمانين شهيدا وكانوا متناصرين مع كوكبة الشهيد سي احمد الشنبولي
المباركي الذي استشهد مع ابنته في الواقعة نفسها. و نذكر هنا أيضا مقاومة "سي
محمد بن عياش" الذي سقط شهيدا في منطقة بوسكين بالمقيد سنة1857
و
في بداية القرن العشرين شهدت منطقة مسعد مقاومة الشهيد الشيخ الولي الزاهد سي عبد
الرحمن بن الطاهر شيخ الزاوية الرحمانية فيها حيث عرف عنه رفضه المطلق للمستعمر في
الجزائر وفي غيرها من البلدان الإسلامية حيث في مطلع القرن العشرين قام بمراسلة
الملك الشيخ السنوسي في ليبيا يدعوه إلى الجهاد والنهوض من أجل توحيد القوى لطرد
المستعمر من بلاد المغرب العربي وأرسل الرسالة مع سي المبروك بن هبال من عرش أولاد
لخضر الذي سلم الرسالة شخصيا للشيخ السنوسي وقام بالرد عليه بأن الوقت لم يحن بعد،
وهاته الرسالة كانت موجودة عند الشيخ سي محمد الطيب في مكتبته بواد الجدي إلى غاية
سنة 1956م
حيث وقعت للشيخ مشاكل مع فرنسا لتأييده للثورة ولجيش التحرير فأحرقت مكتبته وفيها
الرسالة، ثم راسل الشيخ سي عبد الرحمن أيضا الشيخ المجاهد والمقاوم عبد الكريم
الخطابي بالمغرب يدعوه لما دعا إليه الشيخ السنوسي.
وفي
سنة 1914م وغداة اندلاع الحرب العالمية الأولى قامت فرنسا بالتجنيد الإجباري
للجزائريين وذلك لإشراكهم في الحرب كما قامت بفرض ضرائب مجحفة عليهم، فكان الشيخ
سي عبد الرحمن من الأوائل الذين عارضوا هذه السياسة ودعا إلى محاربة فرنسا وطردها،
وهذا الموقف من فرنسا سجن بسببه في الجلفة ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في نفس
المكان وعفي عنه لكنه بقي في سياسته المناهضة لفرنسا فسجن ببسكرة ثم الجزائر وأطلق
سراحه ولما استمر على موقفه نفي إلى المغرب سنة 1916م حيث اختار له الفرنسيون قرية
بركنت " عين بني مطهر" حاليا و تقع جنوب مدينة وجدة تبعد عنها بثمانين
كلم ، و عند وصوله سمع به سيدي علال بن الشيخ البوشيخي زعيم اولاد سيدي الشيخ
الغرابة شيخ زاويتهم بالمغرب ، فذهب إلى الحاكم الفرنسي ببركنت ،و طلب منه أن
يستقر سيد عبد الرحمان بن الطاهر عنده بزاويته بالبادية، و قدم له الضمانة
الكافية، فوافق الحاكم الفرنسي ، و هكذا قضى سيدي عبد الرحمان بن الطاهر مدة نفيه بين
ظهراني أولاد سيدي الشيخ ، الذين أكرموه ، و هيئوا له أسباب الراحة، و قد وفد عليه
من مسعد عدة اتباع له ، فكانوا يجدون الكرم و الاستقبال الذي يليق بهم ، وعندما
أعلن اطلاق سراحه من النفي ، ودعه اولاد سيدي الشيخ ، و على رأسهم سيدي علال
البوشيخي الذي أهداه أجود خيوله، و ألتحق بأهله ، وكانت العلاقة بين الشخصين و
أبنائهم متواصلة إلى عهد قريب.
ثم
عاد سنة 1918م إلى الجزائر لكنه لم يجد عمه سي يوسف الذي توفي سنة 1917م ليتولى هو شؤون الزاوية وكان له قبل
ذلك فرع زاوية في "المكيمن" قرب مدينة مسعد، وله أيضا في الصحراء مساكن
مثل بريش والقويسي والقاعو وغيرها، ثم سجن في الأغواط وأطلق سراحه، ولما كثر
استفزازه للفرنسيين في تلك المنطقة ولما كانت لديه فرقة مسلحة تجوب الصحراء افراده
من أولاد نايل بالخصوص من فرقة المهاش حيث اشتبك سنة 1923م مع قافلة فرنسية بمنطقة
"طزيوة"
نواحي مدينة تقرت حيث قتل أحد الجنود الفرنسيين وتعرض للمطاردة وصار مطلوبا لدى
فرنسا وهدمت منازله الموجودة في الصحراء انتقاما منه، وألقي عليه القبض في تقرت
مرة أخرى لكن أطلق سراحه حيث كفله أحد أعيان المنطقة، وللمرة الأخيرة ألقي عليه
القبض سنة 1930م وحكم عليه بالإعدام يوم 14 يوليو 1931م ليقدم كقربان بمناسبة
العيد الوطني الفرنسي.
بدات
الحركة الإصلاحية منذ تاسيس جمعية العلماء المسلمين وتاسيس حزب الشعب ذو الفكر
الثوري الوطني من طرف مصالي الحاج. حيث تبنت هذا الفكر الزوايا ومشايخها مع نشاط
الطرق الصوفية خاصة الرحمانية والقادرية وتجلى ذلك في نشاط الزاوية الطاهرية التي
تقع في شرق مدينة مسعد والتي تأسست عام 1836 على يد الشيخ "الطاهر بن
محمد" والذي أشرف على الأعمال فيها حتى سنة 1891 وأصبحت مركزا ثقافيا ودينيا واجتماعيا
ثم تلاه الشيخ سيدي يوسف في الفترة من 1891 إلى 1907 وقد اسس بشخصيته الفذة منهجية
واضحة لحفظ القرآن الكريم وتدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية.
كما
شهدت أيضا مسعد نشاطا كثيفا لعلمائها الذين ارتبطوا بالجانب الإصلاحي لجمعية
العلماء المسلمين الجزائريين ومنهم الشيخ "عبد القادر بن إبراهيم" الذي
تعرض للسجن نتيجة فكره المناهض للاستعمار وتلميذه الشيخ محمد بن عبدالرحمان الرايس
الذي تعرض للسجن والاعتقال والتعذيب خلال الورة التحريرية و الشيخ "سي أحمد
بن عطية" والرايس محمد وعبد الباقي الحبور وكنتيجة لهذا النشاط الإصلاحي
ومواكبة لتطور الحركة الوطنية شهدت المدينة أيضا نشاطا سياسيا وبوجود تمثيل
للأحزاب المختلفة والكشافة الإسلامية الجزائرية النشاط السياسي والكشفي، ومن أهم
الأعضاء البارزين في هذا النشاط الكشفي والسياسي " بوهلال لخضر" "
لبقع التلي" " لعياش بلحاج" " لقرع محمد بن العيد"
" مخلط بن حرز الله" " عباس أحمد بن الطالب". و قد تواصل
النشاط الإصلاحي في المنطقة بزيارة وفد لجمعية العلماء المسلمين وعلى رأسه الشيخ "النعيم النعيمي" والشيخ
"أحمد حماني" لتنصيب شعبة لها بمسجد الوسط وأصبح "أحمد بن عطية" رئيسا لها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق